ترحيب

.....مرحبا بكل الزوار الأوفياء

18 أكتوبر 2009



عماد أرجاز الشرفاوي


أجندة شهر يونيو

الأسبوع الأول:

وأنا أصل إلى نهاية دراستي في أحضان "صاحبة الجلالة"، حكمت علي ظروف وأمور أخرى أن أقضي فترة تدريب في إحدى المحطات الإذاعية في مدينة البوغاز، يمر الوقت هناك بسرعة السلحفاة في يوم صيفي حار، بعيدا عن جو العائلة وخبز أمي وقهوتها، نقاشات الأصدقاء الساذجة حول السياسة وزرقة الرينكون وجمالها؛ ينتابني إحساس غريب؛ شعور بالكآبة، بالتيه وبالإحباط، تعود بي الذاكرة إلى أربع سنوات خلت، حيث كنت أقضي جل اليوم داخل ثنايا غرفة مبعثرة يسودها ظلام شبه دامس، تصلح الغرفة لأي شيء باستثناء أن تخصص لمراجعة الدروس والاستعداد لاجتياز امتحان يسميه المغاربة "الباكالوريا".
شهر الاستحقاقات، هكذا نعت صحفي أبله شهر يونيو لهذه السنة، لكنه "بيني وبينكم" كان محقا؛ فالأسبوع الأول من حزيران لهذا العام سيجتاز فيه الأصدقاء امتحان "الباك"؛ كم هائل من الدروس، يحتاج نوعا خاصا من التعامل والتركيز، المتفوق هو من سيسبر أغوارها بنوع من التأني والهدوء، والراغب في النجاح هو من سيتعامل مع سهولة الامتحان الممتنعة بالتفاني والجد والعمل.
خصص الساهرون على قطاع التعليم ببلادنا، "واعرة هاذ الساهرون" أيام الثاني والثالث والرابع من الشهر لاجتياز عقبة هذا "الاستحقاق" كاستراتيجية جديدة في إطار ما سمي بالمخطط الاستعجالي، "واعرة هاذ الاستعجالي حتى هي" تهدف إلى الرفع من نسبة النجاح والتفوق والوصول بقطاع مهم كالتعليم إلى بر الأمان، الجديد أيضا هذه السنة في امتحانات الباكالوريا هو روزنامة التفاؤل المبالغ فيه بالجودة التي طبل لها وزمر من يعملون على "تسيير" قطاع وهياكل "السكويلة" بالمملكة الشريفة.
مر الأسبوع الأول، ومرت معه فترة الامتحانات العادية، اجتهد من اجتهد، واظب من واظب ولم يضع أجر من أحسن إجابة على الأسئلة البليدة التي تنهل من قول "بضاعتنا ردت إلينا"، فيما عمدت فيه فئات عريضة من" أبنائنا التلاميذ" –كما وصفهم أحد الظرفاء- إلى استعمال ما جد من وسائل "الكوبياريس"؛ الحروزة، البلوتوت وتقنيات البورطابل المجنونة، ترهيب الأساتذة والكتابة على الكف وفي مناطق أخرى من الجسد، يشعر أمامها المكلفون "بمراقبة" سير الامتحان "بالحشومة" وهم يأمرون أصحابها بالكشف عنها والتوقف عن "النقيل" وإلا ستحدث أمور أخرى لن يحمد هؤلاء الغشاشة عقباها....

الأسبوع الثاني:
بدأ حزينا على المغاربة، شعور بالغبن، بالوحدة و "بالفقصة"، سيعمد الناس منذ هذا الأسبوع إلى وقف تبادل الزيارات وصلة الرحم بين بعضهم البعض، سيتجنب أغلبهم ركوب "الطوبيسات"، وسيهجرون الأماكن المزدحمة، وستجنح النساء إلى الاكتفاء بأخذ "دوش" منزلي عوض التوجه إلى "الحمام البلدي" حيث الاختلاط والاكتظاظ وأشياء أخرى؟؟؟. إياكم وتبادل القبل "زعما البوسات"، اغسلوا أيديكم بالماء والصابون باستمرار، وإن أردتم السلامة ضعوا الأقنعة الواقية على أنوفكم.
إنها أنفلونزا "الحلوف" وقد اخترقت حدودنا المحصنة من دون استئذان، وخلقت الخوف والهلع داخل الدروب والأزقة. أتعلمون من أين جاءنا هذا الفيروس؟؟ من بلد المسلسلات التي كنا نعشقها،و أرض "مدموزيل تيريزا" التي تزوجها غالبية الشباب في أحلام يقظتهم، منذ هذا التاريخ سنقطع علاقاتنا مع المكسيك ومسلسلاتها الغبية، لأنها عادتنا بمرضها القاتل انتقاما منها علينا فقط لأننا قمنا بهجرها مغيرين الوجهة صوب دراما العم أتترك القادمة من عاصمة الأناضول، رغم أن القناة المغربية الثانية كشفت عن حسن نوايانا تجاه المكسيك وقامت بدبلجة إحدى مسلسلاتها بلغة نطلب من الله أن "يواليها برحمته" والتي نخشى على بعض المغاربة أن تصيبهم بأنواع أخرى من الأنفلونزا.
من حسن حظ الأحزاب السياسية المغربية أن لا أحد منها يحمل رمز الخنزير، وإلا لكانت غالبية المواطنين قد قاطعته يوم الاقتراع.
هي نهاية الأسبوع، الجمعة 12 يونيو، استحقاق أخر يعرفه المغرب، سياسي هذه المرة، يقال أنها الانتخابات الجماعية، التي ستفرز جيلا جديدا من المستشارين الجماعيين الذين سيعملون على "تدبير" شؤوننا اليومية في الست سنوات المقبلة، حملات انتخابية مسعورة استعمل فيها المشروع والمحظور، رموز بالأشكال، مرشحون بالأعمار "والنسا حتى هما"، برامج بلغة فضفاضة وفجة، وفي النهاية ماذا حدث؟؟ ترهيب، توزيع للمال، شراء للذمم، و"زرود" انتخابية، وزيد وزيد...
كان ما كان ووقع ما وقع؛ انطفأت المصابيح، ذبلت الورود، صدأ المفتاح، خسر الناس في الميزان، سقطت أوراق الأشجار وقلدت الحمامة صوت الغراب، ضيعت الرسالة وجهتها وحبطت "همة" الناس ولم تعد الملائكة تحلق فوق أرضنا...
جماعاتنا الحضرية تفتقد للمصداقية والنزاهة، فيروس الرشوة ينخر جسدها، وروح الضمير مغيبة، كان عمر وجاء زيد، ولا شيء سيتغير عقلية التسيير المحكم استبدلت "بالتضبير" ومنطق المصلحة الشخصية والعائلية مهيمن، "تزيدكم ولا صافي"،.... نقطة إلى السطر.

الأسبوع الثالث:
اختلطت فيه المشاعر، وامتزجت الأحاسيس؛ شعور بفرحة غامرة غير مكتملة، إحساس بغيرة كبيرة لكن بريئة وانتظار يشوبه الخوف والقلق؛ سيتم الإعلان عن نتائج امتحانات الباكالوريا، حقا إنها لحظة مجنونة، وكأن المرء ينتظر وقوع القيامة؟؟
الأربعاء 17 يونيو، عقارب الساعة تشير إلى الخامسة عصرا، وقد تسمرت برفقة بعض الأصدقاء أمام ثانوية الشيخ داود بالمضيق، كم تمنيت نجاح كل التلاميذ الذين جمعني وإياهم موسم دراسي طويل وشاق، خصوصا وأني أعرف غمرة المشاعر التي تصيب الناجحين وهم يتبادلون التهاني.
ابتسامات عريضة، دموع فرح دافئة وعناق جنوني، بمقابل حزن غريب، عبرات باردة وندم جميل، إنه قدر الإنسان وشروط الامتحان، هكذا وجدت لسان حالي يردد أمام بعض ممن فوتوا فرصة النجاح في الدورة العادية لاختبار 2009، في حين كانت فرحتي كبيرة وأنا أرى بعض الصديقات يتفوقن بدرجات خرافية، نجحت "ناهد" بمثابرتها الكبيرة ودعابتها الجميلة، تفوق هدوء "فدوى" وحكمتها فيما أوصل قارب الجد والعمل "لبنى" و"حنان" إلى الضفة الأخرى، إضافة ليقيني التام بإمكانية تفوق "سهام" في الفرصة الثانية.......
في هذا الأسبوع أيضا، كانت قد وصلتني عبر بريدي الإلكتروني، دعوة "مباركة" للمشاركة في جلسة نقاش تقييمي حول خطاب الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما الذي كان قد وجهه للعالم العربي والإسلامي من أرض الكنانة، من دون تردد قبلت "الزردة"، لا تظنوا أنني كنت أطمع في "غرين كارت" توصلني إلى أرض واشنطن أو ولاية فلوريدا، قبلت دعوة أبناء العم سام فقط لأن رغبة جامحة حركتني قصد خلق فسحة تواصل مع رعاة "البقر" تنسينا هموم مرض "الحلوف" الذي تفشى في كل بقاع العالم.

الأسبوع الرابع:
عاد النقاش الساذج من جديد حول السياسة، حديث في المقاهي، في الساحات وفي "راس الدرب"، في هذا الأسبوع وجد الناخبون الكبار أنفسهم أمام تحد من نوع خاص؛ البحث عن مخرج "سياسي" أولا يطبعه التحالفات والاتفاقيات ومواثيق الشرف بين رمز حزبي وأخر، ثم عن موطئ قدم ثانيا داخل دهاليز الجماعات الحضرية، لكن، والحالة المغربية هاته؛ حدثت أمور غريبة، تحالفات عوجاء أصابتها إعاقات دائمة وميزها الشلل النصفي أحيانا، تحالف اليساري الراديكالي مع اليميني المتعفن، اتفق الإسلامي المتعصب مع الليبرالي الجشع، حقا هزلت، وبئس التحالفات هذه، فماذا سننتظر من هكذا جماعات في المستقبل المنظور؟؟ لكم أن تفكروا قبل أن تجيبوا، رغم أنني متيقن أن الإجابة صعبة.
من حسن حظي في هذا الأسبوع، أو من سوئه لا أعلم، أنه يتصادف مع عيد ميلادي، لن أحدد لكم عدد سنواتي، أو يوم ازديادي بالضبط. لكني أردتها خاتمة مختصرة بهذا الحدث "السعيد"، رغم أن شهر حزيران لهذا العام انتهى على إيقاع الألم والحسرة. فكل عام وأنتم بألف خير والمغرب بخير.
وعطلة ممتعة.








ليست هناك تعليقات: